الأستاذ محمد أكرم الندوي - مساهمة المرأة في علم الحديث عبر التاريخ

استضاف معهد التفكر الإسلامي العالم والمُحدّث الهندي محمد أكرم الندوي الذي قدم ندوة تتناول دور النساء المسلمات في علم الحديث تحت عنوان "مساهمة المرأة في علم الحديث عبر التاريخ". راويًا الندوي ولادة فكرة عمله الضخم " الوفاء في أسماء النساء"، يقول إنه قرأ عام ١٩٩٤ مقالتين قد نُشرتا في بريطانيا بخصوص المرأة، تخلصان إلى أن الإسلام قصّر بحق المرأة وأن المجتمع الإسلامي قد خلى من العالمات والمثقفات، إلا أنه خلال رحلته في طلب علم الحديث وجد أسماء نساء بارزات في هذا العلم رواية ودراية؛ وهذا ما دفعه إلى تصنيف موسوعة من ٤٣ مجلدا، جمع فيها ما يقارب عشرة آلاف من تراجم النساء المعتنيات بعلم الحديث. كتب الندوي هذه الموسوعة بغية تفنيد هذه الاتهامات المزعومة وفي سبيل شحذ همم النساء المسلمات في يومنا.

يرى الندوي أن هناك صورة نمطية مشوهة بخصوص دور المرأة في العلوم، تناقض ما توصل إليه بأنه هناك من العالمات في القرون الغابرة ما قد يساوي عدد الرجال. ومن الأمثلة على ذلك، يُذكر في ترجمة عبد الوهاب ابن النجار أنه من بين شيوخه ٤٠٠ امرأة، ومثال آخر على ذلك ما ورد عن مسلم ابن ابراهيم الفراهيدي البصري بأنه قد روى عن ٧٠ امرأة.

 ينبه الندوي ضرورة أن نعترف بفضل النساء وان نشكر لهن حفظ ديننا حيث أن الكثير من أحكام الاسلام التي لم تُروى إلا عن طرقهن. ويؤكد ذلك قول الحاكم النيسابوري بأن الناس في ديننا محتاجون إلى حديث النساء الذي يشكل ربع أحاديث الاسلام. ومن ذلك مسألة عدد ركعات السنّة القبلية لصلاة الظهر عند الأحناف الذين خالفوا الجمهور بجعلها أربع ركعات بدلا من ركعتين، ويعود فضل ذلك إلى رواية نقلتها نساء بيت الإمام أبي حنيفة.

دور النساء في رواية صحيح بخاري

كان اعتناء النساء بصحيح البخاري أكثر بكثير من اعتناء الرجال. من خلال دراسة الندوي لنسخ صحيح البخاري ونشره هذه الدراسة بعنوان "مدخل رائع إلى صحيح البخاري وما فيه من أسرار وصنائع" خَلُص إلى أن أصحّ نسخ الصحيح تعود إلى امرأة، ألا وهي كريمة المروزية. ومن هذا الباب قد ورد أن فاطمة البطائحية ذات الاسناد العالي في الصحيح كانت تدرِّس الصحيح البخاري في دمشق، ولمّا ذهبت إلى الحج كان الناس يقرأون عليها الصحيح في المدينة المنورة وهي تجلس أمام جدار قبر النبي (ص) تجاه رأسه الشريف، تملي العلم على طلبتها وتمنحهم الإجازات. وكذلك كان هناك من النساء من درّسن في الحطيم في مكة وبيت المقدس.  وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على احترام النساء في ذلك الزمان. لم يخلو أي مسجد أو مدرسة سواء في الحجاز أو الشام أو مصر من النساء العالمات. ومن عالمات الشام زينب بنت كمال المقدسية شيخة الذهبي الذي يَذكر أنه قد قُرأ عليها وِقر بعير كتبا التي تصل إلى ٤٠٠ كتاب.

تناول الندوي قصص ثلاث عالمات لمعن في فن الحديث:

  • عائشة المقدسية: صاحبة أعلى إسناد عن البخاري، إذ بينها وبين البخاري ١٤ راو فقط. يُحكى أنه كان من التقاليد العلمية في الشام أن يجلس أكبر المحدثين تحت قبة النسر في الجامع الأموي في دمشق، وقد كانت عائشة المقدسية من بين هؤلاء إذ كانت تتربع تحت القبة ويقصدها الطلبة ليقرأوا عليها، حتى أن الحافظ ابن حجر العسقلاني قد قرأ عليها ٧٠ كتابا.
  •  فاطمة السمرقندية: كانت حافظة للقران، وكتب الحديث، وقد حفظت أيضا كتاب أبيها علاء الدين السمرقندي "تحفة الفقهاء" عن ظهر قلب.  قد رغب أحد تلامذة الشيخ السمرقندي يدعى الكاساني بها زوجة له فطلبها من أبيها. فقال علاء الدين السمرقندي بنتي أعلم منك وأفقه منك، واشترط عليه أن يؤلف شرحا لـ"التحفة" لكي تحل له زوجة. فألف الكاساني في سبيل ذلك أعظم كتاب في فقه الحنفية واسمه "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع"، فقيل "شرح تحفته فزوجه ابنته". غير أن الكاساني كان يعود في كثير من المسائل الفقهية إلى زوجته؛ لذا يُعتقد أن فاطمة السمرقندية كانت أعلم من زوجها الذي يعد من أفقه رجال الحنفية في زمنه.
  • أمة الله بنت عبد الغني الدهلوية: محدثة كبيرة كانت تحدّث في المدينة المنورة. ومن طريف ما يذكر عنها أنها عندما كانت تنقل الأحاديث المسلسلة بقبض اللحية، لكونها امرأة لا لحية لها كانت تضع يدها على فكها عندما تروي هذه الأحاديث، وها نحن اليوم ننقل أحاديث قبض اللحية عن أمة الله الدهلوية.

ختم الندوي حديثه بلفتة طريفة إذ يقول أن هناك الكثير من الأحاديث الموضوعة والمكذوبة عن النبي (ص) إلا أن أسانيد هذه الأحاديث قد خلت من النساء فلم يُعثر على امرأة حدثت عن النبي كذبا، بينما هناك المئات من الرجال من اقترفوا ذلك.

Fotoğraflar