ألقى الأستاذ معتز أبو قاسم محاضرة بعنوان - عن الحاجة إلى طه عبد الرحمن في الفكر الإسلامي المعاصر

ضمن فعاليات مشروع "الإسلام في القرن الواحد والعشرين" الذي يقيمه القسم الدولي في معهد التفكر الإسلامي تم عقد محاضرة للأستاذ معتز أبو قاسم - في 05 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بعنوان "عن الحاجة إلى طه عبد  الرحمن في الفكر الإسلامي المعاصر" حيث ركز في كلمته على عدد من النقاط منها:

أولا بدأ الأستاذ معتز بمفهوم المعيار، وذكر قائلا: كما أن هناك معايير مشتركة بين الأمم، نجد كذلك لكل أمة معاييرها وقيمها الخاصة بها، فبينما الأمة الغربية أسست معاييرها على الإنسان والثروة والعمل والصراع والتعاقد في وجه من الوجوه الأساسية، نجدها عند أمة أخرى تتمثل في التراحم أو العمران المسؤول وغيرها، والأمة الإسلامية مثل كل أمة لها معاييرها وقيمها الخاصة بها والتي تستمد منها معارفها وميزانها للخير والشر.

 وطه عبد الرحمن يركز على هذا المفهوم كثيرا في كتبه ويرى أنه لا عيب في أن تكون الدول مختلفة المعايير والخصوصيات بشرط عدم إغلاق باب الانفتاح والتعارف والتعاون. فمثلا طه عبد الرحمن نفسه يستفيد من الفلسفات اليونانية والأوروبية الحديثة والمعارف الوافدة ولكن بحذر وحس مسؤول وبشرط عدم الخروج على المعايير الإسلامية.

وذكر أن طه عبد الرحمن يرى أن الإنسان يعيش في عالمين؛ العالم الأول، عالم الروح أو الفطرة، وهي الذاكرة التي حفظ فيها شهود بني آدم لربهم. والعالم الثاني، عالم الملك، العالم الذي يشتغل ويُعمل فيه الإنسان الذاكرة الفطرية ويستخرج منها معايير وقيم ينزلها في هذا العالم مستعينا بالرسالة والوحي التي هي كتذكرة للإنسان لِما شهده من ربه في زمن الذر أو الروح من كمالات الجلال والجمال الإلهي لله عز وجل ، وبهذا ينشئ ويقيم طه منظومته الأخلاقية على الأسماء الحسنى المستمدة من الفطرة والرسالة.

وأشار أيضا إلى أن ميزة طه عبد الرحمن تكمن في نقده للذات والواقع المعاصر، أي أنه بينما البعض يتصدى لما جاء من الغرب بكل أوتي من قوة، والبعض الآخر يعتبر التراث حملا ثقيلا على كاهل المسلمين، يأتي طه ويقدم نموذجا مزدوجا يجذِّر فيه القديم كقاعدة بناء تتضمن الأصول الأولى ويأتي ببديل جديد لكل قيمة استنفدت قوتها على التأثير في الواقع. فهو يقدم بدائل جديدة في شكل نظريات متكاملة يعرضها على الباحثين كي يشتغلوا عليها.

وركز أيضا على آلية "ترحيم الأحكام" عند طه عبد الرحمن، ويرى أنه يجب استخراج وجه الرحمة في الأحكام الشرعية، لأن الله شرع لنا الأحكام لنتوسل بها في إنشاء الأخلاق والقيم وتمثلها، والأخلاق لابد وأن تكون مذهّبة ومحلاة بالرحمة، ويجب أن تظهر هذه النظرة الرحموتية في الأحكام ظهورا جليا لأن الشرع يقوم على نواة دلالة الرحمن والرحيم والرحمة والرحم والتراحم.

وأخيرا أشار إلى أن من إبداعات طه عبد الرحمن، "نظام التعارف"، والتعارف هو أن تعرض كل أمة قيمها ومفاهيمها وحِكمها وأخلاقها على أمة أخرى تنظر فيها وتُفيد منها بشرط عدم الإلزام، أي أن تأخذ منها ما تشاء وترد منها ما تشاء. فهو يضع هذا النظام مستندا إلى الآية الكريمة (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) ويرى أن سر التطور والإرتقاء للأمم يكمن في هذا النظام الذي ذكره القرآن الكريم.

ومن خصوصية رؤية طه اتساع المفاهيم عنده إبداعا وتشغيلا، يقول الأستاذ معتز، لم أرى أحدا مثل طه متمكنا في استعمال المفاهيم وإبداعها وإحيائها.  ولقد أبدع واستعمل أكثر من 2000 مفهوم في مجموع كتبه.

ويرى أنه يجب على مفكري الأمة الإسلامية أن يعودوا إلى استعمال المفاهيم والمصطلحات الإسلامية الأصيلة، فهي الأصل بالنسبة لنا، ويرى أنه بدون المفاهيم الإسلامية المتجذرة في وعي المسلم لن يكون هناك تطور ولا إبداع ولا نهوض من إصله. فمخزون المفاهيم في أذهاننا هو هويتنا فلا ينبغي أن نضعها جانبا ونستخدم مكانها مفاهيم أخرى لا تتوافق مع هويتنا عقائد ولغة ومعارف،

 ويرى أن الدول الإسلامية بعد الاستعمار فقدت معاييرها الاصلية وبدلتها بمعايير أخرى علمانية وليبرالية، حيث لا تتناسب مع المعايير الإسلامية،  وأي نظر مباشر في دلالة المفاهيم في الغرب يلحظ مباشرة البون الشاسع بين دلالته عند المسلمين ودلالته عند الغربيين كالعدل والحرية والمساواة والإنسان والأسرة والكسب والقانون ، وكما يقول "وائل حلاق"، يجب أن نعرف من نحن بعد الاستعمار.

Fotoğraflar